ثلاثة مفاهيم للسلام.. في البيت الأبيض
ثلاثة مفاهيم للسلام.. في البيت الأبيض
المصري قاطع كالسيف.. الإسرائيلي "حاوي".. الفلسطيني "غير متفائل"
مبارك انتقد إسرائيل علناً وفي وجود أوباما ونتنياهو وقال "الاستيطان ضد القانون"
الرئيس هو الوحيد الذي طالب بوقف المستوطنات حتي ينتهي التفاوض
أفهم الإسرائيليين أن التسوية ليست منحة.. ولكنهم يريدونها مثل الفلسطينيين
مصر حددت المرجعيات ورفضت العودة لنقطة الصفر وترك "كل شيء" للتفاوض
الزعيم المصري أبدع وأوجز وأصاب هدفه بطلقة واحدة عندما أشار ل "السيادة الفلسطينية"
نتنياهو تحدث عن أرض الآباء والأجداد.. واعترف بحق الفلسطينيين في الأرض.. وقال لعباس "أنت شريكي"
رئيس الوزراء الإسرائيلي هدد إيران ضمناً.. وصرح بأن كل انسحاب إسرائيلي يعقبه إرهاب!!
أبو مازن شكر أوباما.. تمسك بالحقوق العربية.. أدان قتل الإسرائيليين.. وينتظر!
أوباما تحدث عن حل الدولتين وإنهاء احتلال 1967 أربع مرات في يوم واحد واعترف بيهودية إسرائيل!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]في القاعة الشرقية للبيت الأبيض وقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس الأول يقدم ضيوفه الأربعة للعالم مبارك وعبدالله الثاني وعباس ونتنياهو ويفخر بأنه استطاع بعد 20 شهراً من توقف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ان يبدأ مرة أخري.
كان يوم الأربعاء الأول من سبتمبر هو أكثر الأيام التي تكلم فيها أوباما عن السلام منذ مجيئه للحكم.. تحدث للصحفيين بعد محادثاته مع نتنياهو ثم ألقي خطابا لتدشين المفاوضات المباشرة في حديقة الورود أو "الروزجاردن" بالبيت الأبيض بحضور هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وجورج ميتشيل مبعوثه الخاص للأمم المتحدة ثم بعد لقائه مع محمود عباس الرئيس الفلسطيني واختتم كلماته قبل حفل العشاء الذي شارك فيه الرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني ملك الأردن والرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. أربع مرات في يوام واحد تحدث أوباما عن السلام.
في كلمته الرئيسية بحديقة الورود وجه أوباما شكراً خاصاً للرئيس مبارك والملك عبدالله لما قاما به من جهد بناء في دفع عملية السلام.. وقال ان هدفه منذ مجيئه لمنصبه كان قيام دولتين إلي جانب بعضهما ينهيان الصراع ويضمنان حقوق وأمن كليهما. وانه عين لهذا الغرض واحدا من أقدر السياسيين هو السناتور السابق جورج ميتشيل.. حث أوباما عباس ونتنياهو علي انتهاز الفرصة السانحة للسلام وعدم اضاعتها.. هذه الفرصة ستتقدم للأمام.
حدد أوباما في كلمته الهدف من المفاوضات المباشرة مؤكدا علي انهاء الاحتلال الذي بدأ 1967 وقيام دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وقابلة للحياة تعيش جنبا إلي جنب مع دولة إسرائيل "اليهودية" وجيرانها الآخرين.. وأكد علي ان المفاوضات المباشرة ستنهي الوضع القائم وتتوصل لحلول لقضايا الوضع النهائي.. وقال ان حل الدولتين راوغ أجيالا عديدة لأنه عملية معقدة وصعبة لكن الوقت حان لاتمامها.. وأشار إلي أن عباس ونتنياهو زعيمان يستطيعان صنع السلام.
أشار إلي أن التاريخ علمنا دائما ان هناك طريقا مختلفا وهو الذي يتم فيه حل الأزمات بالإرادة والتصميم حيث يمكن التوصل لحلول وانهاء النزاعات القديمة كما حدث في افريقيا والبلقان واسيا وايرلندا وكما حدث بين مصر وإسرائيل والأردن وإسرائيل.. وأشار إلي اننا نستطيع بناء سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط.
لقد لمسنا كصحفيين مصريين اصرارا من أوباما علي النجاح في هذا المسعي.. غير انه في المرات الأربع التي تكلم فيها أمس الأول عن السلام لم يتطرق إلي التفاصيل أو يتحدث عن الخطوات السابقة ويبدو أن هذه هي سياسته لأنه سيترك كل شيء للطرفين. لكنه كرر التزام بلاده بالسلام واصرارهم عليه وأشار إلي أنه من أفضل الأشياء ان الفلسطينيين والإسرائيليين يتعايشون مع بعض في حياتهم اليومية كالأطباء وجماعات الحقوق المدنية ورجال الأعمال والطلاب وغير ذلك.. إلا أن أوباما قال انه مهما كانت رغبته وبلاده في السلام إلا أنهما لا يستطيعان أن يفرضا حلا ولا يمكن أن نريده أكثر مما يريده أصحابه الفلسطينيون والإسرائيليون ولقد قلت لهما ان هذه هي فرصة لابد من استغلالها لأنها ربما لا تعود مرة أخري.
عظمة مبارك
الرئيس مبارك كان علي عكس أوباما.. لم يتطرق إلي عموميات وكلام انشائي.. لم يترك الفلسطينيين بمفردهم.. قال للإسرائيليين ما يسوءهم داخل البيت الأبيض وفي وجود أوباما.. انتقد نتنياهو صراحة.. وقال لعباس نحن معك.
الرئيس مبارك كان عظيما وهو يقول لرئيس الوزراء الإسرائيلي بدون مجاملة "ان الاستيطان يتم بالمخالفة للقانون الدولي.. وهو لن ينشيء لإسرائيل حقوقا أو يحقق لها أمنا" دخل مبارك في صلب الموضوع.. انها الفرصة الأخيرة لذا فقد قال لهم في وجههم: "أوقفوه حتي ينتهي التفاوض واغتنموا الفرصة الذهبية".
واجه مبارك تصريحات نتنياهو الوردية ورغبته في التوصل لسلام مع الفلسطينيين. وقال له انه يتطلع أن يكون هذا الكلام حقيقيا.. الرئيس أفهم نتنياهو في خطابه أن السلام مطلب ومسعي للإسرائيليين أنفسهم وليس تفضلا أو منحة يقدمونها للفلسطينيين.
مبارك - علي خلاف أوباما - أكد ان المفاوضات لا يجب أن تبدأ من الصفر.. هناك خبرات يجب البناء عليها.. وخطوات وانجازات تحققت لا يمكن اغفالها.. ومرجعيات لايمكن أن نقفز فوقها ونتركها للتفاوض مرة أخري.
وظهر واضحا من كلمة الرئيس انه لا يحبذ ترك كل شيء للتفاوض مرة أخري فهناك مرجعية للتسوية.. مبارك الوحيد الذي تحدث عنها في الخطابات التي ألقيت بالبيت الأبيض.. الرئيس أشار إلي البيانات المتتالية للجنة الرباعية الدولية وآخرها بيان 20 أغسطس.. الرئيس شدد علي الشرعية الدولية وعلي معايير كلينتون عام 2000 وعلي تفاهمات طابا.. الرئيس كان محددا وواضحا وهو يؤكد ان ملامح التسوية معروفة. ولا ينبغي أن توضع مرة أخري علي مائدة المفاوضات محذرا من اضاعة الفرصة وراء الفرصة طوال قرن من الزمان.
كان الرئيس محددا أيضا وهو يتحدث عن "سيادة" الدولة الفلسطينية.. الكلمة معناها لم يتطرق إليه أحد من المتحدثين.. كلمة عميقة الدلالة والمغزي.. تعني دولة دائمة ذات حدود معلنة وممتدة الأراضي وموصولة وليست مثل قطعة جبن سويسري.. دولة تتمتع بحقوق الدول.. لا تعيش عالة علي أحد.. لا تتسول حقوقها.. لا تنام وتصحو علي خطر الاجتياح.. "السيادة".. الرئيس أبدع وأوجز.. أصاب الهدف من طلقة واحدة وترك الآخرين "يحومون".. يدورون ويلفون ويتمسحون.. أما هو فكان صريحا كعادته حادا وقاطعا كالسيف.. ترك لهم نبراسا مضيئا يسيرون به علي الدرب الطويل.. وليس ذنبه إذا أطفأته رياح التعصب والتطرف والطمع وشهوة نتنياهو للبقاء في السلطة حتي لا تسقط حكومته!
جاء الدور علي نتنياهو - بعد الملك عبدالله الثاني - فتحدث بالعربية واليهودية والانجليزية قائلا السلام عليكم.. peace upon you.. شالوم.. وقد قصد أن ينقل معني كان أوباما قد سبقه إليه في خطابه الذي افتتح به الكلمات عندما أكد ان السلام مطلب لكل الشعوب علي اختلاف ديانتها ولغتها وألوان بشرتها وعرقيتها.
تحدث نتنياهو عن السلام بلسان الثعلب المكار وقال لمحمود عباس "أنت شريكي في عملية السلام" وقد اعتبر بعض الصحفيين الأمريكيين في تعليقاتهم أمس الخميس ان ما أعلنه نتنياهو يعد تطوراً كبيراً في مفهوم السلام. خاصة وأنه اعترف بحق الفلسطينيين في الأرض.. لكن أنا شخصيا تابعت لغته الإنجليزية وهو يتحدث موجها كلامه إلي عباس ومستندا إلي المنبر الذي خاطب الصحافة منه ووجدتها لغة متعالية فيها من التهديد أكثر مما تحمله من الأمل قال "لن يعيش اليهود غرباء في وطنهم وأرضهم أرض آبائهم وأجدادهم.. ومع ذلك نعترف ان هناك شعبا آخر يشاركنا في هذه الأرض.. ولقد جئت إلي هنا اليوم لأتوصل إلي تسوية تاريخية تمكن الشعبين من العيش في سلام وأمن وكرامة".. كان هذا هو الجزء الجيد من خطابه أما الجزء "الماكر" فكان ما يلي "انني أؤكد ان اهتمامي الرئيسي سيكون ضمان أمان الإسرائيليين قبل كل شيء وقبل أن نقدم أي تنازلات عن الأرض" وأضاف "عندما انسحبنا من لبنان حصلنا علي الارهاب.. وعندما تركنا غزة كان الارهاب أيضا من نصيبنا.. لذلك لابد أن نضمن أن الأراضي التي سنتركها لن تكون مكانا لإرهاب آخر ترعاه إيران ويستهدف هذه المرة قلب إسرائيل".
ترك نتنياهو الباب "موارباً" لا فتحه ولا أغلقه.. لكنه لم ينس أن يؤكد للجميع ولأوباما - في عقر داره - ان إيران تهدد إسرائيل وانها لن تقبل بذلك! وانها ضحية لكل انسحاب تقوم به.. ولم يخف علي الصحفيين أن حديثه عن السلام اقترن بتلميح إلي استعداده للحرب علي إيران.. وبحركة تمثيلية قال ان شعبه تعرض لعمليتين إرهابيتين خلال يومين متتاليين أثناء وجوده في واشنطن.. الأولي أوقعت أمهات ضحايا ويتمت أطفالاً والثانية لم يسفر عنها قتلي.. لذلك أقول انني جئت للسلام ولكني لن أنسي أبداً الأمن.
ولم ينس نتنياهو أن يلقي "جزرة" إلي عباس فقال له ان السلام خلق انتعاشة اقتصادية وسيساعد علي انتشار المزيد من الأبراج السكنية في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة.. اننا نريد لهذه الانتعاشة الاقتصادية الفلسطينية أن ينجم عنها المزيد من الأبراج السكنية وليس الصواريخ ونريد أن تكون شوارع الضفة الغربية تتدفق بالتجارة وتعج بالحركة الاقتصادية وليس بالارهابيين.. وأضاف "ان شعبينا يستطيعان استغلال الجغرافيا والتاريخ والثقافة والطقس الجميل والمواهب التي يتمتعون بها في خلق فرص لا نهائية في التجارة والسياحة والصناعة والطاقة والمياه وأشياء أخري كثيرة!".
وعندما وقف محمود عباس لالقاء كلمته وضح انه "غير متفائل" فرغم تأكيده علي الثوابت العربية ومرجعية مدريد وخيار الأرض مقابل السلام. إلا أنه قال انه ينتظر ليسمع المزيد عن التصورات الإسرائيلية. ويبدو أن هناك نقاط اختلاف كثيرة علي تفاصيل الاستيطان ومواعيد تجميده وكيفية تلافي هاجس الأمن وهل ستكون الحدود دائمة أم مؤقتة.. أسئلة من المؤكد انها دارت في رأس أبو مازن ولكن الاجابة عليها لن تعلن الآن.. ثم شكر الرئيس الأمريكي أوباما وقال لنتنياهو انه يدين حادثي الارهاب اللذين وقعا في يومين متتاليين.